top of page

أخلاقيات الموظف الحكومي: شرف الخدمة في زمن التحديات



في كل صباح، حين نرتدي بطاقة العمل ونلج مكاتبنا الحكومية، نُستدعى — شاءت الذاكرة أو أبت — إلى ذاك القسم الذي ردّدناه يومًا ما:"أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا لديني، ثم لمليكي، وبلادي..."لكن السؤال الذي يطرق الباب دون إذن هو: هل ما زال هذا القسم حاضرًا في قراراتنا اليومية، وفي أسلوبنا، وفي تعاملنا مع المعلومة، والسلطة، والمسؤولية؟

أخلاقيات الموظف الحكومي ليست لائحة تُدرَّس، ولا مجرد بنود تُدرج في دليل سلوك وظيفي. هي انعكاس عميق لقيمة اسمها: الخدمة العامة. أنت لا تعمل لشخص، ولا حتى لوزير، بل تعمل لأجل وطن، وداخل منظومة، وفي حضرة ثقة.

في الحكومة، الثقة لا تُمنح فقط عند التوظيف، بل تُختبر كل يوم. تُختبر حين تصلك معلومة حساسة، وحين تكتب خطابًا قد يُبنى عليه قرار، وحين تُستشار في شأن ليس لك فيه مصلحة شخصية، بل مسؤولية مهنية.

وإذا أردنا أن نختصر أخلاقيات الموظف الحكومي في ثلاثة مبادئ، فستكون:

  1. الأمانة: أن تحفظ السر، وتحترم الوقت، ولا تُنفق من وقت العمل في ما لا يخدمه. أن تدرك أن كل قرار تُسهِله أو تُعطّله له أثر على مواطن ينتظر.

  2. العدالة: أن لا تُميز في المعاملة، ولا تستجيب لضغوط، ولا تفتح أبوابًا خلفية. أن تعامل الجميع على السواء، لأن العمل الحكومي ليس امتيازًا، بل مسؤولية متساوية أمام الجميع.

  3. الاحتساب: أن ترى عملك كنوع من العبادة. لا تبالغ، فقط تذكّر أنك مؤتمن على مصالح عامة، لا يراها الناس، لكنها تصنع أثرًا في حياتهم، ولو بعد حين.

الموظف الحكومي الأخلاقي ليس من لا يُخطئ، بل من لا يُبرر الخطأ. من يعترف، ويصلح، ويُعيد ترتيب أولوياته حين تحيد البوصلة. هو ذاك الذي يقف مع نفسه قبل أن يُحاسب من قِبل جهاز رقابي.

وفي زمن التحول الوطني، ومع تسارع التشريعات وتوسّع المبادرات، أصبحت الأخلاقيات المهنية ضرورة لا ترفًا. لأن الطموحات كبيرة، والسرعة مطلوبة، فإن الرادع الأخلاقي هو ما يحفظ المسار من الانحراف.


دعونا لا نُقلل من قيمة التوقيع، ولا نستخف بالورقة، ولا نُهمل الإيميل. كل ما نفعله اليوم، قد يُبنى عليه غدٌ كامل. فلتكن أخلاقك درعك، وسيرتك عملك، ولنتذكّر جميعًا أن المجد لا يُصنع بالألقاب، بل بالسلوك.

 
 
 

تعليقات


أسعد بالتعاون لاكتشاف وحل تحديات جديدة!

جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٥ م 

bottom of page