أزمة منتصف المهنة: حين يتوقف الحماس وتبدأ الأسئلة
- سُلاف المقوشي

- 19 أكتوبر
- 2 دقيقة قراءة

هناك لحظة لا أحد يخبرك عنها حين تبدأ رحلتك المهنية.
تبدأها بحماس، بخطة، بوعود لنفسك أنك ستصل، ستصنع فرقًا، ستكون “شيئًا”.
لكن في منتصف الطريق، تحديدًا بعد سنوات من الركض والإنجاز والتعب، تجد نفسك أمام شعور غريب: إحباط بلا سبب واضح. لا هو فشل، ولا هو اكتئاب، لكنه شيء بين الاثنين، مثل تعب لا يرتاح، أو صمت داخلي بعد ضجيج طويل.
تستيقظ كل صباح وتعرف تمامًا ما عليك فعله، لكنك لا تعرف لماذا تفعله بعد الآن.
العمل نفسه، المهام نفسها، الاجتماعات نفسها، وحتى النجاحات التي كانت تفرحك، صارت تمرّ دون أثر. كأنك تشاهد نسخة منك تعمل بالنيابة عنك، وأنت فقط تراقب من بعيد.
كل ما كنت تظنه إنجازًا، فجأة يبدو مؤقتًا. كل ما سعيت إليه، يبدو أنه لم يملأ الفراغ الذي كنت تظنه ستمتلئه يومًا.
تبدأ تسأل نفسك أسئلة كنت تظن أنك تجاوزتها:
هل هذا فعلاً ما أريده؟
هل أنا في المكان الصحيح؟
هل هذا النجاح لي أم لنسخة قديمة مني ما زلت أحاول إرضاءها؟
المؤلم في هذه المرحلة أنك لا تملك رفاهية “البدء من الصفر” كما كنت تفعل في العشرينات.
لديك التزامات، مسؤوليات، واقع. لكن داخلك يصرخ فيك أن هذا ليس كافيًا. أن شيئًا ما انكسر في علاقتك مع شغفك الأول، مع ذاتك التي كانت تحلم بلا خوف.
وهنا تبدأ المعضلة:
كيف تستعيد الحافز من دون أن تهرب؟
كيف تجدد علاقتك بعملك، أو حتى بنفسك، دون أن تهدم ما بنيته؟
كيف تتعامل مع هذه المرحلة دون أن تستهلكك؟
اعترف بما تشعر به بصدق.
الإنكار يطيل الأزمة. ما تمرّ به طبيعي، وليس دليل ضعف أو فشل. كل من سار طريقًا طويلًا يمرّ بهذه المحطة يومًا ما.
افصل نفسك قليلًا عن “المنظومة”.
لا بأس أن تأخذ استراحة قصيرة، أو تقلّل من الوتيرة مؤقتًا. أعد ترتيب المسافة بينك وبين عملك لتستعيد قدرتك على الرؤية.
راجع معنى النجاح بالنسبة لك الآن.
ما كان يعني لك “النجاح” قبل عشر سنوات قد لا يناسبك اليوم. تطورك الشخصي يفرض تعريفًا جديدًا للإنجاز، أبسط وربما أصدق.
ابحث عن معنى صغير كل يوم.
ليس بالضرورة أن تغيّر حياتك أو عملك بالكامل. أحيانًا مشروع جانبي، أو شغف بسيط، أو مشاركة فكرة صادقة تعيد لك الإحساس بأنك ما زلت حيًا مهنيًا.
تحدث مع من تثق به.
شخص مرّ بتجربة مشابهة سيفهمك أكثر من أي كتاب أو دورة تطوير ذاتي. المشاركة تخفف ثقل الصمت الداخلي.
سامح نفسك على التعب.
أحيانًا كل ما تحتاجه ليس خطة جديدة، بل مصالحة بسيطة مع نفسك بأنك فعلت ما تستطيع، وأن الإرهاق لا يعني أنك فقدت قيمتك.
الإحباط في منتصف المسيرة ليس نهاية الطريق ، اعتبره علامة على أنك وصلت إلى مرحلة أعمق من الوعي:
أنك لم تعد تريد النجاح الذي يُرى، بل النجاح الذي يُحَسّ.
وذلك، في الحقيقة، هو أصعب وأصدق أشكال النضج المهني.



تعليقات