top of page

بطل اللحظات الأخيرة: حينما تتحول الفوضى إلى بطولة مزعومة

ree

في بيئات العمل، تتنوع أساليب القيادة وتختلف منهجيات الإدارة، لكن ثمة نمط واحد لا يزال يتكرر، ويتسبب بأزمات لا حصر لها، ومع ذلك يجد من يصفق له. إنه "بطل اللحظات الأخيرة"، ذلك القائد الذي يظن أن الإنجاز الحقيقي يولد من رحم الفوضى، وأن البطولات تُصنع تحت الضغط فقط، لا بالتخطيط ولا بالمنهجية.


هذا القائد، غالبًا، يتلقى المهمة أو التوجيه قبل أسابيع، وربما بشهر كامل، لكنه لا يحرك ساكنًا. لا يبدأ بتحليل المتطلبات، ولا يحدد المسؤوليات، ولا يضع جدولًا زمنيًا. يركن كل شيء جانبًا، إما لانشغاله، أو لاعتقاده أن الوقت لا يزال طويلًا، أو ببساطة لأنه لا يعمل وفق أي إطار واضح.

ثم، قبل الموعد النهائي بيومين – وربما أقل – يرسل الرسائل العاجلة، ويبدأ بسلسلة من الاجتماعات الطارئة. فجأة، يتحول المشروع إلى حالة طوارئ، ويُطلب من الفريق أن يعمل ليلًا ونهارًا، وأن "يشدّ حيله" لإنقاذ الموقف.


ما يحدث بعد ذلك هو النمط المعروف: الفريق يضغط نفسه، يُرهَق، يتنازل عن وقته وراحته، وربما يضطر لتجاوز الحدود الصحية للعمل، فقط لأن قائده قرر التحرك متأخرًا. ومع ذلك، يظهر هذا القائد بعدها بكل فخر ليقول: "فريقي سهر الليالي، وأنجز المهمة في الوقت المحدد."

لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. الإنجاز لم يكن نتيجة عبقرية قيادية، بل نتيجة استنزاف بشري. والفريق لم يعمل بهذا الشكل لأنه أراد، بل لأنه لم يُمنح خيارًا آخر.


ما لا يدركه هذا النوع من القادة – أو ربما يتجاهله – هو الأثر النفسي والمهني المدمر لمثل هذا السلوك:

  • الإرهاق المزمن: الموظفون الذين يعملون باستمرار تحت الضغط معرضون للاحتراق الوظيفي (burnout)، وهو ما ينعكس على أدائهم وصحتهم النفسية والجسدية.

  • انعدام الثقة: تأجيل القائد للمسؤوليات يُفقد الفريق الثقة في التخطيط، ويجعل العمل عشوائيًا وغير مستقر.

  • غياب العدالة: حين يُكافأ القائد على إنجاز ناتج عن فوضى إدارته، يُهمَّش دور الفريق، ويُشعِرهم بعدم التقدير.

  • ضعف جودة العمل: الإنجاز السريع تحت الضغط غالبًا ما يكون على حساب الجودة، خاصة في المهام التي تتطلب التفكير التحليلي أو الإبداع.


القائد الحقيقي لا يظهر في اللحظة الأخيرة ليصرخ في الجميع. القائد الحقيقي:

  • يوزّع المهام من البداية.

  • يحدد أهدافًا واقعية، ويضع جدولًا واضحًا.

  • يمنح الفريق وقتًا كافيًا للفهم، والتنفيذ، والمراجعة.

  • لا يساوي بين "الإنجاز تحت الضغط" و"الإنجاز المُتقن".

القيادة ليست استعراضًا دراميًا في الدقيقة التسعين، بل هي عمل هادئ، مستمر، ومنظم، يُنتج فرقًا مستقرة، ويُحقق نتائج مستدامة.

خلاصة القول

"بطل اللحظات الأخيرة" لا يصنع المعجزات. هو ببساطة يتسبب بالفوضى، ثم يتعامل مع تجاوزها وكأنها إنجاز شخصي. والسكوت عن هذا النمط هو ما يجعله يتكرر. ما نحتاجه في بيئات العمل هو قادة يؤمنون بالتخطيط، بالاحترام المتبادل، وبأن النجاح لا يجب أن يأتي على حساب صحة الفريق.

كفى تمجيدًا للفوضى. كفى احتفالًا بالإرهاق وكأنه دليل على التفاني. لا، الإرهاق دليل على خلل في القيادة.

 
 
 

تعليقات


أسعد بالتعاون لاكتشاف وحل تحديات جديدة!

جميع الحقوق محفوظة ٢٠٢٥ م 

bottom of page