الصبر مفتاح الترقية
- سُلاف المقوشي

- 2 أغسطس
- 2 دقيقة قراءة

في رحاب العمل الحكومي، يبرز الصبر كونه المفتاح الذهبي الذي يفتح أبواب الإنجاز ويقودنا بموازين الحكمة والفهم نحو تحقيق الأهداف الوطنية. فهذه المهنة – بكل ما تنطوي عليه من تشريعات ومعاملات ومجالس وتنسيق بين جهات متباينة– تتطلب نفساً مطوّلاً وقلباً متيقّظاً قادرًا على احتضان التفاصيل الدقيقة، والثبات أمام تحديات البيروقراطية الطبيعية. في هذه المقالة، أستعرض معكم مقومات الصبر في العمل الحكومي، ودوره المحوري في بناء مسيرة وظيفية ناجحة تسهم في ازدهار وطننا الحبيب.
1. الصبر مفتاح توزيع الأدوار وترابطها
في العمل الحكومي، لا تقوم جهة بمفردها؛ إذ يتداخل اختصاص وزارة أو هيئة مع أخرى، وقد يتطلب الأمر الحصول على موافقات، وتجميع المعطيات من أكثر من مصدر. لذلك؛ فإن الصبر ليس ترفًا، بل ضرورة حتى نتمكن من المواءمة بين الأطراف المختلفة، وانتظار دور كل جهة لتكمل الإجراء.
مثالٌ حيٌّ: عندما أُسنِد إليّ إعداد تصور مبدئي لمبادرة ابتكارية، وجدت أن عرضي أمام لجنة توجيهية لا يكفي دون موافقة الجهة المختصة، فتعلمت أن الصبر على انتظار ردود تلك الجهات وتوقيتاتها يحفظ للجهد قيمته ويصون علاقات التنسيق.
2. الصبر رفيق مواجهة الروتين والإجراءات
قد يبدو الروتين في بعض الأحيان وكأنه عقبة، ولكنّه في جوهره آلية تحمي العمل الحكومي من العشوائية وتضمن الالتزام بالضوابط. الصبر في هذا السياق يعني تقبّل النماذج والإجراءات كنقوشٍ على طريقٍ لا بدّ من اجتيازه، والتفكير في كل خطوة منها كفرصة للتثبّت من دقتها وجاهزية مستنداتها.
نصيحة عملية: خصّص لنفسك فترات محددة لاستعراض النماذج واللوائح طيلة مرحلة تنفيذ أي مشروع، بدلاً من الشعور بالإحباط؛ لتكتشف أحيانًا أن تلك الإجراءات ترسل إليك إشارات هامة كان يمكن أن تغفلت عنها.
3. الصبر درع أمام ضغوط الزمن وتحوّل الملفات
العمل الحكومي سريع الإيقاع، فقد يصنع ملفٌ واحد سمعتك المهنية، وآخر يهدمها إذا لم تُتَقن إدارته. يعتمد كل ملف على مواعيد تسليم، وموافقات متعاقبة، وأحيانًا على عدم اكتمال المعلومات من الأول. لذا، الصبر هناهو تنظيم لنفسك:
ترتيب أولويات الملفات بحسب الأثر والأهمية.
الاحتفاظ بنُسخٍ احتياطية لكل المراسلات.
التواصل الدوري مع الجهات المعنية للاطمئنان على سير الإجراءات.
4. الصبر سرّ التعلم المستمر واكتساب الخبرات
العمل الحكومي مرآة تحتضن خبراتٍ متعددة: من فهم السياسة العامة إلى التعامل مع تشريعات معقدة، مرورًا بالتعرف على ثقافة كل جهة في “فضاء الحكومة”. يحتاج الموظف صبرًا ليس فقط لتحمّل ضغوط العمل، بل أيضًا لتجميع المعرفة وفهم السياق قبل إصدار أي رأي.
خطوة عملية: احرص على تخصيص ساعة أسبوعيًا لقراءة الأنظمة ذات الصلة بعملك، وللتعرّف على مبادرات الجهات الأخرى، حتى يتوسع أفقك وتصبح قراراتك مبنية على “القصة” والسياق الكامل.
5. الصبر ركيزة التوازن بين السرعة والجودة
على الرغم من الحاجة للاستجابة السريعة للمتغيرات، فإن السبيل الأمثل هو أن نجمع بين سرعة الإنجاز وجودة المخرجات. الصبر هنا يعني أخذ الوقت الكافي لمراجعة المستندات ومناقشة الأفكار مع الفريق قبل اعتماد أي قرار.
مثالٌ تطبيقيّ: عند إعداد ورقة عمل أو عرض تقديمي، يمكنك تطبيق “قاعدة 72 ساعة”؛ أي تحفظ مسودة العمل يومًا، ثم تراجعه في اليوم التالي، ثم في اليوم الذي يليه قبل العرض؛ لتضمن خلوه من الأخطاء واتساقه مع الأهداف.
خلاصة: الصبر هو مزج الرؤية بالتنفيذ
في القلب النابض للعمل الحكومي، الصبر هو مهارة استشرافية تجعلنا نرى الإجراءات كخطوات متعمدة للحفاظ على استدامة الأداء، وترابط الأجهزة الحكومية، وتعزيز ثقة المواطنين.
.
بالتحلي بالصبر، نصبح قادرين على السير بثبات نحو تحقيق رؤية 2030، ورفع راية وطننا عاليًا، متجاوزين التحديات ، ومترفعين عن استعجال النتائج. فالصبر في العمل الحكومي – كما في مسيرة الوطن نفسه – هو الذي يبني الأساس المتين للمستقبل الزاهر.



تعليقات