فن الفرار من فخ الركض في نفس المكان
- سُلاف المقوشي

- 22 أغسطس 2024
- 3 دقيقة قراءة

إنّ أحد الأمور التي يجب على الموظف استيعابها سريعًا هو كيف يفكر المسؤول في المكان الذي يعمل به ، وكيف يحترف فن قراءة العلامات الصامتة ، وكيف يفصل ما بين تقصيره ، وما بين بأنه لم يُسمح له بالنجاح ، بعد.
هذه المقالة موجهة إلى الموظف ، ليس متخذ القرار بل منفذه ، وهي خريطة قد توضح بعض العلامات التي تحتاج إلى انتباه وتدقيق لالتقاطها ، ولسنا هنا بصدد انتقاد أسلوب الإدارة، بل إننا هنا لنقدّم المواساة الإدارية لمن غرق في وحل التأنيب والتأليب، ليعلم بأنه فعلًا ، لا يمكنه القيام بشيء.
السيناريو الأول : لن نتحرك حتى تعود الفاصلة إلى مكانها.
في هذا السيناريو ، يجتمع فريق العمل دائمًا لمناقشة تقرير ما ، ويتغير فريق العمل، وتتغير الطاولة ، إلا أن التقرير باقٍ لا يتأثر. ومهما قام الفريق بتنفيذ كل التعديلات الواردة من رئيس الفريق، إلا أنها لا تنتهي بالفعل. وكأنّ الملاحظات تتكاثر لا اختزاليا كلما حفظت التقرير بـ(النسخة الأخيرة بعد المراجعة).
وحين تبتعد قليلًا عن المشهد، وتأتي بقائمة التعديلات وتتمعنها بشكل منفصل عن العمل، تجد أن هذه القائمة هي تحريرية بحتة، لا تُغيّر شيء على أرض الواقع، بل هي أقرب ما يكون إلى عمل المحرر الاملائي في جهازك. ولكنها تبدو عند رئاسة الفريق، بأمر عالي الأهمية وكأن هناك حلقة مفقودة، لا تعرف عن ماذا يبحثون أو ماذا يعدّلون، كل ما تعرفه بأنّ الفريق مُلام على التأخير، ولكن جرّب بأن تشرح الموضوع لرئيس آخر، فلن تنجح.
اذا كنت تمر بسيناريو مشابه، فأعلم بأن الأمر خارج عن سيطرتك، وأغلب الظن بأن رئاسة الفريق قد حُمّلوا مسؤولية اشرافية على عمل لا يفهمونه، و لا يودّون الاعتراف بقصور معرفتهم وسيتعلقون بأمر ما – كالتدقيق الاملائي على التقرير- ويصفونه بأنه العمل المحوري الأهم في المشروع وبالتالي، لن يتحركوا حتى تعود الفاصلة إلى مكانها.
السيناريو الثاني : لسنا جاهزين ، أبدًا.
أما هذا السيناريو ، فلا يتبين إلا حين اطلاق المشروع، أو بالأصح، حين تنتهي كل الأعمال ويتبقى جدولة الاطلاق. هنا تأتي الوساوس، وسيتم تقديمها بشكل اختبارات جودة لم يتم جدولتها سابقا، وتبدأ اختبارات الجودة، وتنتهي اختبارات الجودة ونعود لنفس المربع الذي وقفنا فيه نود تحديد موعد الاطلاق، إلا أنه يطلب منك (لاست كواليتي تشيك) ،و تقوم بالتصديق وتهرول للقيام به، وتنتهي منه وتعود لنفس المربع ، ونجد رئاسة الفريق تطلب بأن يُرفع الموضوع إلى مستوى صلاحية أعلى ، وتدخل انت والفريق في معمعمة كيف ستصلون الى المستوى الأعلى، ويعتريكم احباط بأن رئاستكم لا تريد أن تصدّقكم القول بأنكم جاهزون.
لكن في حقيقة الأمر، بأنه لا يتعلق فنيّا بمدى جاهزيتكم ، بل إن رئاسة الفريق لا تريد ببساطة أن تتولى مسؤولية اتخاذ القرار، وتود بأن تُرحّل الصلاحية لمستوى أعلى ، ولأن الأمور لا تسير حسبما خططنا لها، سيدخل المشروع في طريق جانبي لم يكن من المخطط له ومن ثم سيضيع ضمن الأعمال الموكلة إلى صاحب الصلاحية الأعلى والذي سيقوم – في أكثر السيناريوات إيجابية- بتفويضه لمن يوازي رئاستكم وبالتالي ستقعون في فخ إعادة المراجعة والكواليتي تشيك، بما لايرتبط بقدرتك أو بقدرة فريقك، فهو خارج عن سيطرتك، تماما.
السيناريو الثالث: يجب أن نكوّن لجنة لمراجعته، ولجنة أخرى لتُشرف على المراجعة.
هذا السيناريو يطبق طريقة العمل ٢٠\٨٠ ولكن بشكل متشوه للغاية، حيث يتم تصميم الأعمال لتكون ٢٠٪ تنفيذ فعلي وفني للهدف و تقضي كل الـ٨٠٪ في مراجعته بأعقد النماذج الإدارية الممكنة: تكوين اللجان، تعمل أنت والفريق بكل ما اوتيتم من موارد- وعادة تكون محدودة- على تنفيذ ٢٠٪ ، ولكن اللجان قد شُكّلت، وقد روعي فيها تأدية دورها بكل اتقان ، وهي كيف نبطء وتيرة اتخاذ القرار بطريقة مُمأسسة للغاية. فتجد أن هنالك لجنة تنفيذية ، ،من ثم لجنة توجيهية ومن ثم لجنة اشرافية ، والكل يطلب تقريرا شهريا وتحديثا أسبوعيا ، وبالطبع : مجموعة واتس اب لسرعة التواصل. وستلاحظ بأن مواردك – المحدودة- ستتوجه بشكل تلقائي لإعداد التقارير وتقديم التحديثات وبناء عروض البوربوينت ، ولن تستطيع فعلا العمل على تنفيذ الـ ٢٠٪ وإن حاولت ، وقد تصل إلى مرحلة تشعر بأنك منهك و مستهلك ، وفي جهازك الكثير من التحديثات وتعتقد بأن المشكلة في الموارد المحدودة أو في ضيق الوقت ، وسيتطلب منك التدقيق لتكتشف بأن صفوف اللجان وُضعت لأنّ من يجب عليه اتخاذ القرار لا يودّ أخذه، ويودّ بأن يُتخذ القرار بالتمرير على كل هذه اللجان، لنقتسم المسؤولية، وعلى أغلب الظن بأن من في اللجان الاشرافية والتي تحوي متخذ القرار الذي لا يود اتخاذه، نظرائه الذي يعلمون بأنه لا يود اتخاذه وبالتالي لن يتم اتخاذ هذا القرار، حيث أن اللجان أداة فعالة حين يكون القرار مقتسمًا بالفعل بين عدة أصحاب مصلحة، وإن أنشئت بطريقة جيدة فهي أحد أكثر الأدوات فعالية في الإدارة، إلا أن استهلاكها في إدارة مشاريع لا تتطلب كل هذا الاقتسام القراري، يظهرها بشكل سلبي للغاية لا تستحقه، ومما يعني : بأنك لست المُلام.
مايتكرر في هذه السيناريوهات وماشابهها، بأن المسؤول لم يركن المشروع، أو يطلب تأجيله ، أو التريث بشأنه. بل انتهج ما أسميناه هنا: الركض في نفس المكان، حيث يحدث الايهام بأننا نتحرك ونركض وننجز ، ولكننا مازلنا في نفس المكان.



تعليقات