نادي الموهوبين في العمل
- سُلاف المقوشي

- 12 أكتوبر 2024
- 1 دقيقة قراءة

في المدرسة، كان من السهل جدًا تمييز الموهوبين. كأنها لعبة ممتعة تملأها الإثارة، اكتشافهم، الحديث مع ذويهم، الاستفاضة في شرح لماذا هم مميزون جدًا، إعطاؤهم دروسًا مخصصة، إبلاغ الإدارة المركزية عنهم بفرح، "ألو، مرحبًا، وجدت كنزًا!"،
ومن ثم فتح الأبواب على مصراعيها أمامهم للمشاركة في المدارس الصيفية والمراكز الوطنية للموهوبين. كل هذا الاحتفاء بالموهبة كان له بريقٌ خاصٌ ومبهج.
ولكن... ماذا يحدث للموهوبين حين ينضمون لسوق العمل؟
ببساطة، لا شيء.
كل ذلك الاحتفاء، كل تلك الابتهاجات والتقديرات، الفردانية وأحيانًا النرجسية، تتلاشى فجأة كأنها لم تكن. ككرسي وسط
مسرح انطفأت الأضواء من حوله. نحن نعلم أن الكرسي هناك، نراه بوضوح، لكن لأن الأضواء لا تسلط عليه، نتصرف وكأنه
غير موجود، وننساه.
إذا كنت من أولئك الموهوبين، فربما دخلت سوق العمل وتوقعت أن يعرفوك، أن يُدركوا "نوعيتك"، أن يشمّوا رائحة الذكاء التي
تفوح منك. لكن في المؤسسة، كلنا واحد، والواحد هو "المعايير العامة"، هو "النظام الذي لا يفرق". كل واحد منا يجب أن يذوب في هذه الكتلة الصمّاء، حيث الصوت الوحيد هو صوت القواعد، وعنوانها الأكبر هو "كلنا سواسية".
تلك آفة التنميط، وخطوط الأساس، والنمذجة القسرية للأشخاص. إنها تعسفٌ في مواجهة الموهبة. في بيئة العمل، تُختَزل الموهبة إلى مجرد تروس في آلة ضخمة، يُفرض عليها الانسجام مع الجميع دون اكتراث بخصائصها الفريدة. كأنَّ الموهوب يُعاقب فقط لأنه لا يشبه الآخرين، أو لأنه يخرج عن "النموذج المثالي" الذي وضعته المؤسسة.
الموهبة الإدارية الحقيقية ليست في القدرة على اتباع التعليمات أو الالتزام بالقواعد فقط، بل هي في رؤية الأشياء من زاوية
مختلفة، في القدرة على التفكير خارج الصندوق، في الشجاعة لتقديم الحلول الجديدة. ولكن كم مرة رأيتَ هذا يُحتفى به في
العمل؟ بل على العكس، غالبًا ما يُعتبر هذا "عدم انضباط" أو "خروج عن النص".
إذا كنا نرغب في كسر هذه الحلقة المفرغة، لعبة "الثعبان الأبدية" التي تدور بين الاستقالة المستمرة والبحث عن مكان آخر
”يقدّر الموهوبين" - والذي غالبًا لا نجده، فعلينا أن نعيد النظر في كيفية تعاملنا مع الموهوبين في العمل.
التعرف على الموهبة الإدارية واحتضانها، وإيجاد مسارات مخصصة لها، يجب أن يكون جزءًا من ثقافة المؤسسة. ليس من
الضروري أن يُعامَل الموهوب كالنجم الأوحد، لكن من الضروري أن يُمنَح مساحة للتعبير، وأن يُعترف بقدرته على تقديم شيء مختلف. التغيير يبدأ عندما نخرج من دوائر "التنميط" ونعترف بأن التميّز موجود، وأنه بحاجة إلى بيئة تتيح له الازدهار.
لذا، إذا كنتَ من نادي الموهوبين، فاعلم أن التحدي الأكبر ليس في امتلاكك للموهبة، بل في قدرتك على جعلها تتألق وسط تلك الأضواء الباهتة في العمل. لا تنتظر الاعتراف من أحد، بل كن أنت الضوء الذي يكشف عن وجودك، وطالب بخلق المساحات التي تستحقها موهبتك. ففي نهاية المطاف، الموهبة الحقيقية تعرف طريقها، وتبقى دائمًا، مُنيرة حتى وسط الظلال.



تعليقات