هيكل الثقة: القيادة بالثقة بدلاً من الهيكل التنظيمي
- سُلاف المقوشي
- 2 نوفمبر 2024
- 3 دقيقة قراءة

في القطاعين العام والخاص، يُعتبر وجود هيكل تنظيمي جزءاً أساسياً من البنية المؤسسية، حيث يُحدّد هذا الهيكل المهام والمسؤوليات لكل إدارة وقسم ووحدة تنظيمية. وقد يبدو هذا المفهوم بديهياً وصحيحاً، حيث نرى جميع المؤسسات، خصوصاً الحكومية منها، تعتمد هيكلها التنظيمي بشكل رسمي. ولكن، هل يُطبّق هذا الهيكل فعلاً على أرض الواقع، خاصة في المستويات القيادية العليا القريبة من القائد الأول؟ هنا يبرز السؤال حول حقيقة هذا التطبيق ومدى فاعليته.
الواقع الفعلي للهيكل التنظيمي
على الرغم من وجود هياكل تنظيمية رسمية في معظم الجهات الحكومية، إلا أن الممارسات الفعلية تكشف عن صورة مختلفة. ففي كثير من الأحيان، نلاحظ أن هناك هيكلاً تنظيمياً هرمياً يحدّد المستويات الإدارية والتخصصات الوظيفية. ومع ذلك، يظهر تناقض في التطبيق، حيث نجد أن بعض الوكلاء أو المسؤولين يشرفون على ملفات ومهام لا تمت بصلة مباشرة إلى تخصصاتهم.
وهذا يطرح التساؤل: لماذا يتولى هؤلاء المسؤولون مهاماً قد تبدو خارج نطاق هيكلهم التنظيمي الرسمي؟ يكمن السبب في طبيعة الملفات المتداولة في الجهات الحكومية، والتي تتسم بحساسيتها وتتطلب قدراً كبيراً من الثقة والمهارات الشخصية. في هذا السياق، يتحوّل الهيكل من هيكل تنظيمي إلى ما يمكن أن نسميه "هيكل ثقة".
مفهوم هيكل الثقة
هيكل الثقة ليس هيكلاً مادياً يمكن تحديده على الورق أو بيانه في مخططات تنظيمية. بل هو نظام ديناميكي قائم على العلاقات الشخصية، والمهارات الفردية، ومستوى الثقة المتبادل بين القادة والموظفين. في هذا الهيكل، تُسند المهام والمسؤوليات بناءً على الثقة والقدرة على تنفيذها بكفاءة، وليس بناءً على المسمى الوظيفي أو المكانة التنظيمية.
خصائص هيكل الثقة:
ظاهري ولكنه غير ملموس: هو هيكل يظهر في تصرفات الأفراد وكيفية توجيه الملفات والمهام، ولكنه ليس جزءاً من الهيكل التنظيمي الرسمي للمؤسسة.
مرن: يعتمد على القدرات والمهارات الشخصية للأفراد، ويتغير بتغير العلاقات ومستوى الثقة.
صعب التعبير عنه: على الرغم من أن آثاره ملموسة في الإنجازات والقرارات، إلا أنه من الصعب تحويله إلى معايير واضحة أو لوائح رسمية.
لماذا يتكون هيكل الثقة؟
ينشأ هيكل الثقة بشكل أساسي نتيجة للطبيعة الحساسة والجادة للمهام الحكومية. فعندما تُسلّم الملفات الحرجة للقيادات، يعتمد القادة في اختيار المسؤولين عن تلك الملفات على الثقة الشخصية والمهارات الفردية أكثر من اعتمادهم على الهيكل التنظيمي الرسمي. وبالتالي، نجد أن المهام توزع أحياناً بناءً مدى ملاءمة الشخص للملف، وليس بناءً على تخصصه أو موقعه في الهيكل التنظيمي.
أثر هيكل الثقة على القيادة
بالنسبة للقائد الأول، يُعتبر هيكل الثقة هو الأداة الحقيقية لإدارة المؤسسة. حيث يعتمد القائد على الأفراد الموثوق بهم للتعامل مع القضايا الحرجة، متجاوزاً في بعض الأحيان التعقيدات التي يفرضها الهيكل التنظيمي الرسمي. وهذا لا يعني أن الهيكل التنظيمي غير مهم، بل على العكس، هو إطار ضروري لضمان توزيع المسؤوليات، ولكن في المستويات القيادية العليا، تُصبح الثقة هي العامل المحوري.
فوائد هيكل الثقة:
السرعة في اتخاذ القرار: يُمكّن القائد من تجاوز الروتين التنظيمي والاعتماد على الأفراد ذوي الكفاءة والثقة.
تعزيز المسؤولية: حيث يشعر الأفراد بأنهم يُختارون بناءً على كفاءتهم وثقة القائد بهم، مما يدفعهم للعمل بجدية وإخلاص.
التحديات:
صعوبة التوثيق: إذ يُعتبر هذا الهيكل غير رسمي ومن الصعب تحويله إلى إجراءات مؤسسية.
احتمالية التحيّز: حيث قد تؤدي العلاقات الشخصية إلى تحيّزات في توزيع المهام والمسؤوليات.
الخلاصة
إن هيكل الثقة هو واقع لا يمكن إنكاره في المؤسسات، خاصة في المستويات القيادية العليا. وبينما يُعتبر الهيكل التنظيمي الرسمي ضرورياً لهيكلة العمل وتوزيع المسؤوليات، إلا أن الفاعلية الحقيقية للعمل تعتمد بشكل كبير على الثقة والعلاقات الشخصية. لذلك، يحتاج القادة إلى موازنة دقيقة بين الاعتماد على الهيكل التنظيمي والاستفادة من هيكل الثقة لتحقيق النجاح المؤسسي.
ختاماً، يمكن القول إن القائد الأول هو من يصنع هيكل الثقة، ويُديره بحكمة، ليكون مكملًا للهيكل التنظيمي الرسمي، بما يحقق الأهداف المؤسسية بشكل فعال ومتوازن.
Comments